لَ بينكم مودّةً ورحمةً
حسين .هكذا كان اسمه أذكره ولاانساه فقد كان متفرِّدا في سلوكه .زاهدا في كل شيء. يأخذ بداية كلِّ اسبوع مائتي دولار عبر الصراف الاّلي كراتب تقاعدي من وظيفته السابقة في استراليا فينقفها في ايام قليلة ثمن مشروباته الكحولية كان يشرب الويسكي وكأنه ينتقم من (جوني واكر )يشرب البيرة وكأنه يفتح صنبور الماء ليملأ جوفه .أما النبيذ فيشريه مابين الويسكي والبيرة (تمشاية حال )وقد ذكر لي بعض معارفه في حماه أنه كان يشتري لترا من البلاك ثم يستأجر سيارة تاكسي ويطلب من السائق أن يفتل به في شوارع المدينة ولا يعود إلى بيته حتى ينهي زجاجة الويسكي تماما.لم يعمِّر طويلا فقد مات باحتشاء القلب لإفراطه في الشرب هكذا علّقت على موته أمام صديق يعرفه تماما .فأجابني الصديق بحزن وأسى :لم يمت من فرط شربه بل من فرط همّه لقد كان يطلب الموت بل ينتظره بكل جوارحه .عمل كموظف مرموق في معمل لصنع الورق باستراليا لمدة ثلاثين عاما ثم عاد باكيا على كل ساعة قضاها هناك .حين نسأله عن سبب عودته يقول :أنا رجل شرقي مكاني هنا .هنا .هنا
تزوّج فتاة استرالية جميلة جدا رشيقة فقد كانت سباحة استرلية مميزة وانجب منها طفلا جميلا أحبه وتعلّق به أيّما تعلّق وأنفق عليه طائل ثروته فقد كان يرى فيه مستقبل حياته يرى فيه النور الذي يتحدّث عنه الفلاسفة للخروج من الكهف المظلم . كان هذا الطفل بارقة الأمل الوحيدة التي تربطه بالحياة الدنيا كان يرى في بناءاً جميلا يرتفع يوماً بعد يوم كان يتمنى أن يطلب عينيه فيقدمهما له بكل غبطة .لكن هذه النبتة الفتية بد أت تنحرف عن مسارها وخاصة حين أحبّت أمه زميلا لها وسباحا استراليا .كانت تقضي معظم وقتها مع عشيقها .حاول حسين كرجل شرقي أن يضع حدا لهذه العلاقة لكن القانون الأسترالي يحمي الهجرة والانفصال الجنسي بين الزوجين ويعتبرها حق طبيعي للمرأة .وهكذا حين لم يستطع حسين ان يوفق بين تربيته الشرقيّة المتخلِّفة وبين أمور تبدو طبيعية تماما في الغرب عرفا وقانونا طلب منها الطلاق .لكن المصيبة كانت أكبر فقد ورثت زوجته نصف ثروته طبقا للقانون الأسترالي حين تترك زوجتك أو مساكنتك وحتى نصف راتبه .فعاش حسين مع ابنه بإشراف مربيته وقال في نفسه (الرمد خير من العمى ).لكن المصيبة الأكبر كانت في شذوذ ابنه فقد رافق الصبي رفقاء السوء .وأنذرت المدرسة والده عدة مرّات عن تراجع مستواه وسوء سلوكه. حاول مرّات ومرّات أن يعظ ابنه دون جدوى فقد ترك كل َّ علاقاته خارج العمل كي يبقى في المنزل ويتفرغ لتربية ابنه .لكن ابنه لم يكن ليأتي إلى المنزل إلى عند المساء .فكّر حسين كثيرا وكثيرا كيف سيمنع ابنه من الخروج جلّ اوقاته والقانون يحمي الطفل ويعتبرأن خروجه من المنزل قبل العاشرة مساءا هو حق طبيعي له .كان حسين يرى بنيانه الذي بناه يتاّكل يوما بعد يوم وما عساه يفعل حين يخسر كل أمل له في الحياة .صبر واصطبر وتصبّر كثيرا دون جدوى وفي يوم اتصل به وأخبره مدير المدرسة أن ابنه قد تغيّب عن فصله وانذره بفصله
في حال تكرار ذلك .فاستشاط حسين غضبا من ولده ومن القانون الذي يعتبر نفسه أدرى وأحرص على الولد من والده ثم انتظر في المنزل حتى يعود ولده .حين عاد الولد كانت العاشرة إلا ربعا تماما وهو يعلم تماما أنه ضمن الوقت الذي يسمح به القانون .سأله والده وبعد أن فقد كل ما أوتيه من صبر وتصبّر اين كنت طوال اليوم أيها الحمار .فرد الولد عليه بصوت أعلى وباستهزاء :إن عدت إليها سأستدعي شرطة الولاية وأسجنك .000لكن الوالد من شدة غضبه وباللاشعور صفع ابنه على وجهه .ففرَّ الولد من المنزل هاربا .جلس حسين على الأريكة يبكي حظه العاثر ويلعن يديه التي ضرب بهما ابنه هل جرّبت أن تضرب حبيبك يوما ما وتندم على مااقترفته يداك يقول أهل الفلسفة إن الحب والبغض وجهان لورقة واحد من لم يحب لايستطيع أن يبغض .لكنه لم يلبث قليلا حتى جاءته الشرطة واقتادوه إلى السجن .بقي حسين في السجن عدة أيام زاره خلالها كثير وكثير من الجمعيات على شاكلة (جمعية رعاية الأطفال .وجمعية صديق الطفل المظلوم وجمعية حماية الأطفال من أهلهم المتوحشين وكثير من الصحف )لكن معظم زوّاره من جمعيّات وغيرها كانت تجد المبرر على لسان الشرطة مباشرة حين يسألون عنه .فالجواب دائما هو أن الوالد رجلٌ شرقيٌّ من بلد متخلّف لم يفهم معنى الحضارة بعد .
المهم أن حسين خرج من سجنه بكفالة مادية كبيرة وبعد أن كتب تعهّدا أمام الشرطة بأن لايتعرّض لابنه بعد اليوم .وبعد أن صدر قرار قضائي بأخذ ابنه منه ووضعه في دار رعاية المراهقين لعدم أهليّته على تربية ابنه .
عاد حسين إلى منزله وحيدا كان يرى منزله ضيّقا جدا رغم سعته فاستنجد بالخمرة رويدا رويدا حتى أصبحت صديقه وملجأه الاول والاخير .أصبح يكره كل شارع يذكِّرَه بابنه كل حديقةٍ لعبا فيها سويّة كلَّ مسرح شاهدا فيه عرضامسرحيّا .طلب من الشركة نقله إلى مدينة أخرى كي ينسى ذكرياته المؤلمة فانتقل بجسده وبقي قلبه على باب دار الرعاية ينتظر صبيّه لكن الأخبار كانت تصله بأن ابنه يخرج من دار الرعاية فيدخل سجن المراهقين ثم يتنقل بين هذا وذاك لم يعد هناك أمل في عودة ذاك البنيان السوي فطلب حسين من الشركة التقاعد المبكر وعاد إلى سورية عساه يجد السلوى في ابتعاده لكنه لم يجدها إلا في موته .
مصطفى بشير
في طرطوس17\1\2011
حسين .هكذا كان اسمه أذكره ولاانساه فقد كان متفرِّدا في سلوكه .زاهدا في كل شيء. يأخذ بداية كلِّ اسبوع مائتي دولار عبر الصراف الاّلي كراتب تقاعدي من وظيفته السابقة في استراليا فينقفها في ايام قليلة ثمن مشروباته الكحولية كان يشرب الويسكي وكأنه ينتقم من (جوني واكر )يشرب البيرة وكأنه يفتح صنبور الماء ليملأ جوفه .أما النبيذ فيشريه مابين الويسكي والبيرة (تمشاية حال )وقد ذكر لي بعض معارفه في حماه أنه كان يشتري لترا من البلاك ثم يستأجر سيارة تاكسي ويطلب من السائق أن يفتل به في شوارع المدينة ولا يعود إلى بيته حتى ينهي زجاجة الويسكي تماما.لم يعمِّر طويلا فقد مات باحتشاء القلب لإفراطه في الشرب هكذا علّقت على موته أمام صديق يعرفه تماما .فأجابني الصديق بحزن وأسى :لم يمت من فرط شربه بل من فرط همّه لقد كان يطلب الموت بل ينتظره بكل جوارحه .عمل كموظف مرموق في معمل لصنع الورق باستراليا لمدة ثلاثين عاما ثم عاد باكيا على كل ساعة قضاها هناك .حين نسأله عن سبب عودته يقول :أنا رجل شرقي مكاني هنا .هنا .هنا
تزوّج فتاة استرالية جميلة جدا رشيقة فقد كانت سباحة استرلية مميزة وانجب منها طفلا جميلا أحبه وتعلّق به أيّما تعلّق وأنفق عليه طائل ثروته فقد كان يرى فيه مستقبل حياته يرى فيه النور الذي يتحدّث عنه الفلاسفة للخروج من الكهف المظلم . كان هذا الطفل بارقة الأمل الوحيدة التي تربطه بالحياة الدنيا كان يرى في بناءاً جميلا يرتفع يوماً بعد يوم كان يتمنى أن يطلب عينيه فيقدمهما له بكل غبطة .لكن هذه النبتة الفتية بد أت تنحرف عن مسارها وخاصة حين أحبّت أمه زميلا لها وسباحا استراليا .كانت تقضي معظم وقتها مع عشيقها .حاول حسين كرجل شرقي أن يضع حدا لهذه العلاقة لكن القانون الأسترالي يحمي الهجرة والانفصال الجنسي بين الزوجين ويعتبرها حق طبيعي للمرأة .وهكذا حين لم يستطع حسين ان يوفق بين تربيته الشرقيّة المتخلِّفة وبين أمور تبدو طبيعية تماما في الغرب عرفا وقانونا طلب منها الطلاق .لكن المصيبة كانت أكبر فقد ورثت زوجته نصف ثروته طبقا للقانون الأسترالي حين تترك زوجتك أو مساكنتك وحتى نصف راتبه .فعاش حسين مع ابنه بإشراف مربيته وقال في نفسه (الرمد خير من العمى ).لكن المصيبة الأكبر كانت في شذوذ ابنه فقد رافق الصبي رفقاء السوء .وأنذرت المدرسة والده عدة مرّات عن تراجع مستواه وسوء سلوكه. حاول مرّات ومرّات أن يعظ ابنه دون جدوى فقد ترك كل َّ علاقاته خارج العمل كي يبقى في المنزل ويتفرغ لتربية ابنه .لكن ابنه لم يكن ليأتي إلى المنزل إلى عند المساء .فكّر حسين كثيرا وكثيرا كيف سيمنع ابنه من الخروج جلّ اوقاته والقانون يحمي الطفل ويعتبرأن خروجه من المنزل قبل العاشرة مساءا هو حق طبيعي له .كان حسين يرى بنيانه الذي بناه يتاّكل يوما بعد يوم وما عساه يفعل حين يخسر كل أمل له في الحياة .صبر واصطبر وتصبّر كثيرا دون جدوى وفي يوم اتصل به وأخبره مدير المدرسة أن ابنه قد تغيّب عن فصله وانذره بفصله
في حال تكرار ذلك .فاستشاط حسين غضبا من ولده ومن القانون الذي يعتبر نفسه أدرى وأحرص على الولد من والده ثم انتظر في المنزل حتى يعود ولده .حين عاد الولد كانت العاشرة إلا ربعا تماما وهو يعلم تماما أنه ضمن الوقت الذي يسمح به القانون .سأله والده وبعد أن فقد كل ما أوتيه من صبر وتصبّر اين كنت طوال اليوم أيها الحمار .فرد الولد عليه بصوت أعلى وباستهزاء :إن عدت إليها سأستدعي شرطة الولاية وأسجنك .000لكن الوالد من شدة غضبه وباللاشعور صفع ابنه على وجهه .ففرَّ الولد من المنزل هاربا .جلس حسين على الأريكة يبكي حظه العاثر ويلعن يديه التي ضرب بهما ابنه هل جرّبت أن تضرب حبيبك يوما ما وتندم على مااقترفته يداك يقول أهل الفلسفة إن الحب والبغض وجهان لورقة واحد من لم يحب لايستطيع أن يبغض .لكنه لم يلبث قليلا حتى جاءته الشرطة واقتادوه إلى السجن .بقي حسين في السجن عدة أيام زاره خلالها كثير وكثير من الجمعيات على شاكلة (جمعية رعاية الأطفال .وجمعية صديق الطفل المظلوم وجمعية حماية الأطفال من أهلهم المتوحشين وكثير من الصحف )لكن معظم زوّاره من جمعيّات وغيرها كانت تجد المبرر على لسان الشرطة مباشرة حين يسألون عنه .فالجواب دائما هو أن الوالد رجلٌ شرقيٌّ من بلد متخلّف لم يفهم معنى الحضارة بعد .
المهم أن حسين خرج من سجنه بكفالة مادية كبيرة وبعد أن كتب تعهّدا أمام الشرطة بأن لايتعرّض لابنه بعد اليوم .وبعد أن صدر قرار قضائي بأخذ ابنه منه ووضعه في دار رعاية المراهقين لعدم أهليّته على تربية ابنه .
عاد حسين إلى منزله وحيدا كان يرى منزله ضيّقا جدا رغم سعته فاستنجد بالخمرة رويدا رويدا حتى أصبحت صديقه وملجأه الاول والاخير .أصبح يكره كل شارع يذكِّرَه بابنه كل حديقةٍ لعبا فيها سويّة كلَّ مسرح شاهدا فيه عرضامسرحيّا .طلب من الشركة نقله إلى مدينة أخرى كي ينسى ذكرياته المؤلمة فانتقل بجسده وبقي قلبه على باب دار الرعاية ينتظر صبيّه لكن الأخبار كانت تصله بأن ابنه يخرج من دار الرعاية فيدخل سجن المراهقين ثم يتنقل بين هذا وذاك لم يعد هناك أمل في عودة ذاك البنيان السوي فطلب حسين من الشركة التقاعد المبكر وعاد إلى سورية عساه يجد السلوى في ابتعاده لكنه لم يجدها إلا في موته .
مصطفى بشير
في طرطوس17\1\2011